روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | مواقف تربوية.. من حياة الرسول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > مواقف تربوية.. من حياة الرسول


  مواقف تربوية.. من حياة الرسول
     عدد مرات المشاهدة: 4905        عدد مرات الإرسال: 1

كان رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم أفضل القدوة التى يجب أن يحتذى به المربون فى أسلوبه فى تربية أصحابه فكان مربى تهوى إليه الأفئدة.

واستطاع إيجاد تغيير جوهرى فى سلوكيات أصحابه فى سنوات.

وعلى المربيين قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم الوقوف على مدرسته فى تربية أصحابه على المنهج الإسلامى أخذين منها العبر و الدروس وتحويلها إلى واقع عملى.

لقد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الاحزاب.
 
1 - الاقتصاد في الموعظة: -

عن ابن مسعود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا كان صلى الله عليه وسلم يقتصد في تعليمه في مقدار ما يلقيه.

وفي نوعه، وفي زمانه، حتى لا يمل الصحابة وحتى ينشطوا لحفظه، ويسهل عليهم عقله وفهمه[1]

إن اختيار الوقت المناسب لتوجيه النصيحة و الموعظة للمتربى يجعل المتربى دائما حالة فى تشوق وانتظار لما يتلقاه من المربى و لا يصل لحد الملل من كثرة النصائح المتتالية.
 
2 – الاهتمام بأحوال المتربى وممارسة الشورى: - إختيارالنقباء فى بيعة العقبة الثانية

فى بيعة العقبة الثانية قال رسولنا صلى الله عليه و سلم للانصار «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم».

فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. فقال لهم رسول الله عليه الصلاة والسلام: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي.
 
* تربية المتربى على الشورى و القدرة على اتخاذ القرار: -

إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين النقباءَ إنما ترك طريق اختيارهم إلى الذين بايعوا، فإنهم سيكونون عليهم مسئولين وكفلاء، والأولى أن يختار الإنسان من يكفله ويقوم بأمره، وهذا أمر شوري وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمارسوا الشورى عمليًّا من خلال اختيار نقبائهم. 
 
الاهتمام بالمتربى: -

اختيار النقباء ليكونوا مسئؤلون عن سير الدعوة فى المدينة و عن احوال المسلمين هناك يوضح مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الفرد و أحواله وانه يأتى ضمن اولويات الجماعة المسلمة.
و على النقباء فى كل زمان إستشعار حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم وعلى القيادة تحرى الدقة عند إختيار هؤلاء النقباء.
 
3 – تنمية مهارات المتربى: - أسرى بدر (التعليم مقابل الفداء).

قال ابن عباس: كان ناس من الأسارى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة[2]، وبذلك شرع الأسرى يعلمون غلمان المدينة القراءة والكتابة.

وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدي نفسه[3]. وقبول النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في ذلك الوقت الذي كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سمو الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة، وإزالة الأمية. 
 
- توجيه سيدنا زيد بن ثابت لتعلم لغة اليهود سنة 4هـ

لما قدم المدينة ذُهب بزيد إلى رسول الله، وقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال: «يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتاب» قال زيد: فتعلمت له كتابهم, ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.

إن الاهتمام بتنمية مهارات المتربى منذ صغر سنه و صقلها لامر هام للغاية، و فى عصرنا لابد للمربى ان ينظر فى دائما فى مدى تحلى الافراد بالمهارات التى تساعدهم على كسب الرزق و كذلك المهارات التى تساعدهم على توصيل الدعوة بكفاءة و فعالية أعلى.

ولابد من وضع الخطط و الاهداف للافراد لكى يحدث تطورات فى مهاراتهم تساعدهم على زيادة فرص العمل و زيادة الدخل و لا يجب ان يقتصر نظر المربى فقط على الأداء الحركى و العبادى للمتربى.
 
4- ضرب الأمثال:-

للمثل أثر بالغ في إيصال المعنى إلى العقل والقلب، وذلك أنه يقدم المعنوي في صورة حسية فيربطه بالواقع ويقربه إلى الذهن، فضلًا عن أن للمثل بمختلف صوره بلاغة تأخذ بمجامع القلوب، وتستهوي العقول، وبخاصة عقول البلغاء؛ ولذلك استكثر القرآن من ضرب الأمثال، وذكر حكمة ذلك في آيات كثيرة، فقال تعالى: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43].

وقال تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].

إلى غير ذلك من الآيات، وعلى هذا المنهج الكريم سار النبي صلى الله عليه وسلم فاستكثر من ضرب الأمثال، فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل). 
 
5- طرح المسائل:-

إن طرح السؤال من الوسائل التربوية المهمة في ربط التواصل القوي بين السائل والمسئول، وفتح ذهن المسؤول وتركيز اهتمامه على الإجابة، وإحداث حالة من النشاط الذهني الكامل، ولذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم السؤال في صور متعددة لتعليم الصحابة.

مما كان له كبير الأثر في حسن فهمهم وتمام حفظهم، فأحيانًا يوجه النبي صلى الله عليه وسلم السؤال لمجرد الإثارة والتشويق ولفت الانتباه، ويكون السؤال عندئذ بصيغة التنبيه (ألا) غالبًا، فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟»

قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذالكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط».

وأحيانا يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يعلم أنهم لا علم لهم به، وأنهم سيكلون علمه إلى الله ورسوله، وإنما يقصد إثارة انتباههم للموضوع.

ولفت أنظارهم إليه، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا.

وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».

وأحيانًا يسأل فيحسن أحد الصحابة الإجابة، فيثني عليه، ويمدحه تشجيعًا له وتحفيزًا لغيره، كما فعل مع أُبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟».

قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال قلت: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قال: فضرب في صدري، وقال: «ليهنك العلم[4] أبا المنذر» أي ليكن العلم هنيئًا لك.

فهذا الاستحسان والتشجيع يبعث المتعلم على الشعور بالارتياح والثقة بالنفس، ويدعوه إلى طلب وحفظ المزيد من العلم وتحصيله. 
 
6- إلقاء المعاني الغريبة المثيرة للاهتمام والداعية إلى الاستفسار والسؤال:-

ومن ألطف ذلك وأجمله، ما رواه جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق، داخلًا من بعض العالية، والناس كنفته[5] فمر بجدي أسك [6] ميت، فتناوله، فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟»، فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه، لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم». 
 
7- استخدام الوسائل التوضيحية: -

كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم ما يسمى اليوم بالوسائل التوضيحية، لتقرير وتأكيد المعنى في نفوس وعقول السامعين، وشغل كل حواسهم بالموضوع، وتركيز انتباههم فيه، مما يساعد على تمام وعيه وحسن حفظه بكل ملابساته، ومن هذه الوسائل: -

* التعبير بحركة اليد، كتشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه وهو يبين طبيعة العلاقة بين المؤمن وأخيه، فعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه.

* التعبير بالرسم، فكان صلى الله عليه وسلم يخط على الأرض خطوطًا توضيحية تلفت نظر الصحابة، ثم يأخذ في شرح مفردات ذلك التخطيط وبيان المقصود منه، فعن عبد الله بن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده.

ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيما» ثم خط خطوطًا عن يمينه، وعن شماله ثم قال: «وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه» ثم قرأ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

* التعبير برفع وإظهار الشيء موضع الحديث: كما فعل صلى الله عليه وسلم عند الحديث عن حكم لبس الحرير والذهب، فعن علي بن أبي طالب قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله.

ثم قال «إن هذين حرام على ذكور أمتي» وفي رواية عند النسائي عن أبي موسي: «أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها» فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين القول وبين رفع الذهب والحرير وإظهارهما، حتى يجمع لهم السماع والمشاهدة، فيكون ذلك أوضح وأعون على الحفظ.

* التعليم العملي بفعل الشيء أمام الناس: كما فعل عندما صعد صلى الله عليه وسلم المنبر فصلى بحيث يراه الناس أجمعون، فعن سهل بن سعد الساعدي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فاستقبل القبلة وكبر، وقام الناس خلفه.

فقرأ وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى[7]، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، حتى سجد بالأرض فلما فرغ أقبل الناس، فقال: «أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا[8] صلاتي».
 
8- استعمال العبارات اللطيفة والرقيقة: -

إن استعمال لطيف الخطاب ورقيق العبارات يؤلف القلوب، ويستميلها إلى الحق ويدفع المستمعين إلى الوعي والحفظ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يمهد لكلامه، وتوجيهه بعبارة لطيفة رقيقة، وبخاصة إذا كان بصدد تعليمهم ما قد يستحيا من ذكره.

كما فعل عند تعليمهم آداب الجلوس لقضاء الحاجة، إذ قدم لذلك بأنه مثل الوالد للمؤمنين، يعلمهم شفقة بهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلِّمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه».

لقد راعى المعلم الأول صلى الله عليه وسلم جملة من المبادئ التربوية الكريمة كانت غاية في السمو الخلقي والكمال العقلي، وذلك في تعليقه على ما صدر من بعض الصحابة، جعلت التوجيه يستقر في قلوبهم وبقي ماثلا أمام بصائرهم، لما ارتبط به من معانٍ تربوية كريمة وهذه بعض المبادئ الرفيعة التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم.
 
* تشجيع المحسن والثناء عليه: -

تشجيع المحسن والثناء عليه ليزداد نشاطًا وإقبالًا على العلم والعمل، مثلما فعل مع أبي موسى الأشعري حين أثنى على قراءته وحسن صوته بالقرآن الكريم، فعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل دواد».

* الإشفاق على المخطئ وعدم تعنيفه: -

كان صلوات الله وسلامه عليه يقدر ظروف الناس، ويراعي أحوالهم، ويعذرهم بجهلهم، ويتلطف في تصحيح أخطائهم، ويترفق في تعليمهم الصواب، ولا شك أن ذلك يملأ قلب المنصوح حبًا للرسالة وصاحبها، وحرصا على حفظ الواقعة والتوجيه وتبليغهما، كما يجعل قلوب الحاضرين المعجبة بهذا التصرف والتوجيه الرقيق مهيأة لحفظ الواقعة بكافة ملابساتها.

ومن ذلك ما رواه معاوية بن الحكم السلمي t قال: (بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم.

فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه[9]، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي.

ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كَهَرني [10] ولا ضربني، ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فانظر – رحمك الله – إلى هذا الرفق البالغ في التعليم، وانظر أثر هذا الرفق في نفس معاوية بن الحكم السلمي وتأثره بحسن تعليمه صلى الله عليه وسلم. 
 
* عدم التصريح والاكتفاء بالتعريض فيما يذم: -

لما في ذلك من مراعاة شعور المخطئ، والتأكيد على عموم التوجيه ومن ذلك ما حدث مع عبد الله بن اللَّتبيَّة حين استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني سليم، فقبل الهدايا من المتصدقين، فعن أبي حُميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية.

فلما جاء حاسبه، فقال: هذا مالكم، وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا؟ »

ثم خطبنا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟

والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله بحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رُغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر»[11]. ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه يقول: «اللهم بلغت». 
 
* الغضب والتعنيف متى كان لذلك دواعٍ مهمة: -

وذلك كأن يحدث خطأ شرعي من أشخاص لهم حيثية خاصة، أو تجاوز الخطأ حدود الفردية والجزئية، وأخذ يمثل بداية فتنة أو انحراف عن المنهج، على أن هذا الغضب يكون غضبا توجيهيًا، من غير إسفاف ولا إسراف.

بل على قدر الحاجة ومن ذلك غضبه صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر ومعه نسخة من التوراة، ليقرأها عليه صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة.

فقال: يا رسول الله، هذه نسخة من التوراة، فسكت فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير، فقال أبو بكر: ثكلتك الثواكل، ما ترى بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياَّ وأدرك نبوتي لاتبعني».

ومن ذلك غضبه صلى الله عليه وسلم من تطويل بعض أصحابه الصلاة وهم أئمة بعد أن كان صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لما فيه من تعسير ومشقة، ولما يؤدي إليه من فتنة لبعض الضعفاء والمعذورين وذوي الأشغال.

فعن أبي مسعود الأنصاري t قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشدَّ غضبًا من يومئذ فقال:
«أيها الناس إنكم منفرون، فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة».

ومن ذلك غضبه من اختصام الصحابة وتجادلهم في القدر، فعن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وهم يختصمون في القدر، فكأنما يُفْقَأُ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال: «بهذا أمرتم؟ أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض؟ بهذا هلكت الأمم قبلكم».

ومن ذلك غضبه صلى الله عليه وسلم حين يخالف الصحابة أمره ويصرون على المغالاة في الدين والتشديد على أنفسهم، ظنا أن ذلك أفضل مما أمروا به.

وأقرب إلى الله فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم من الأعمال بما يُطيقون قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه، يقول: «إن أتقاكم وأعلمك بالله أنا».

ولم يكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المواقف إلا عملًا توجيهيًا وتعليميًا، تحريضًا للصحابة على التيقظ، وتحذيرًا لهم من الوقوع في هذه الأخطاء، فالواعظ (من شأنه أن يكون في صورة الغضبان؛ لأن مقامه يقتضي تكلف الانزعاج؛ لأنه في صورة المنذر.

وكذا المعلم إذا أنكر على ما يتعلم منه سوء فهم ونحوه، لأنه قد يكون أدعى للقبول منه وليس ذلك لازمًا في حق كل أحد بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين).
 
* إنتهاز بعض الوقائع لبيان وتعليم معانٍ مناسبة:-

كان صلى الله عليه وسلم تحدث أمامه أحداث معينة، فينتهز مشابهة ما يرى لمعنى معين يريد تعليمه للصحابة، ومشاكلته لتوجيه مناسب يريد بثه لأصحابه، وعندئذ يكون هذا المعنى، وذلك التوجيه أوضح ما يكون في نفوسهم رضوان الله عليهم، ومن ذلك ما رواه عمر بن الخطاب.

قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي[12] فإذا امرأة في السبي قد تحلب ثدياها[13] تسعى[14] إذ وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه[15] فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها».

«فانتهز صلى الله عليه وسلم المناسبة القائمة بين يديه مع أصحابه المشهود فيها حنان الأم الفاقدة على رضيعها إذا وجدته، وضرب بها المشاكلة والمشابهة برحمة الله تعالى ليعرف الناس رحمة رب الناس بعباده».

المراجع: -

-  فقه السيرة، الشيخ محمد الغزالى.
-  السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث د محمد على الصلابى.
 إعداد  يوسف محمود
 EBN_SOLIMAN@HOTMAIL.COM
 
 -----------------------------------
[1] السيرة النبوية الجزء االاول عرض وقائع وتحليل أحداث د محمد على الصلابى ص 329، 330
[2] السيرة النبوية الجزء الثانى عرض وقائع وتحليل أحداث د محمد على الصلابى ص 42.
[3] التربية القيادية (3 74).
[4] أي ليكن العلم هنيئًا لك.
[5] كنفته: يعني عن جانبيه، والكنف بالتحريك: الناحية والجانب.
[6] أسك: مصطلم الأذنين مقطوعهما.
[7] القهقرى: المشي إلى خلف، من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه.
[8] أي لتتعلموا، فحذف إحدى التاءين.
[9] وا: حرف للندبة، والحسرة، والثكل فقدان المرأة ولدها، وأمياه: أي يا أماه.
[10] الكهر والقهر والنهر متقاربة، أي ما قهرني ولا نهرني.
[11] الرغاء: صوت الإبل عند رفع الأحمال عليها، الخوار: صوت البقر، تيعر: يعني تصيح.
[12] السبي: الأسرى.
[13] تحلب ثديها: أي تهيآ لأن يحلبا.
[14] تسعى: من السعي، وهو المشي بسرعة.
[15] أي لا تطرحه ما دامت تقدر على حفظه معها ووقايته وعدم طرحه في النار.

الكاتب: يوسف محمود

المصدر: منتديات أئمة